في لحظة حالكة من التاريخ المعاصر، يقف السودان منكوبًا ومثقلًا بجراحه المفتوحة، حيث يعيش الملايين من أبنائه تحت وطأة كارثة إنسانية طاحنة تنذر بالمزيد من الفقد والانهيار. الجوع ينهش الأجساد، والمرض يفتك بالضعفاء، والتشريد أصبح واقعًا مفروضًا على أسرٍ لا ذنب لها سوى أنها وُلدت في وطن بات ميدانًا للصراع والمعاناة. المشاهد القادمة من المدن والقرى والطرقات تروي قصصًا موجعة عن أمهات يبحثن في الركام عن ما يسد رمق أطفالهن، عن كبار السن الذين انهكتهم الرحلة دون مأوى، عن أطفال لم يعودوا يعرفون معنى الطفولة سوى في قصصٍ بعيدة.
وفي قلب هذه المأساة المتفاقمة، تُستغيث مدينة الفاشر، التي ترزح تحت حصارٍ خانق وظروف مأساوية تنذر بكارثة إنسانية كبرى. تفشى الجوع، وتعطلت الخدمات، وتقطعت السبل، فيما يتزايد خطر الانفلات الأمني والعنف الذي لا يفرّق بين شيخ وطفل، ولا بين امرأة ومريض. الفاشر تصرخ، وأصوات المدنيين تتصاعد من تحت الرماد، تناشد العالم أن ينظر إليهم بعين الإنسانية قبل فوات الأوان.
إننا إذ نطلق هذا النداء، فإننا لا نخاطب الحكومات وحدها، بل نخاطب ضمير العالم الحي، نخاطب الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية والإغاثية، والهيئات الإقليمية، والمجتمعات التي لطالما وقفت مع المظلومين، أن يتحركوا فورًا لنجدة هذا الشعب الذي يتداعى، وأن يُترجم التضامن إلى أفعال، لا إلى تصريحات عابرة.
السودان اليوم لا يحتاج إلى عبارات مواساة باردة، بل إلى استجابة إنسانية عاجلة وشاملة، تبدأ من إيصال الغذاء والدواء والمأوى للمدنيين، وتصل إلى تأمين الحماية لهم، وضمان استمرار المرافق الطبية، وفتح الممرات الآمنة للمساعدات، لا سيما إلى الفاشر وسائر المدن المنكوبة.
هذا نداء لا يتحمل التأجيل، فكل لحظة تأخير تعني مزيدًا من الأرواح التي تزهق بلا ذنب، ومزيدًا من الأطفال الذين يُحرمون من أبسط حقوقهم في الحياة. إن الشعب السوداني لا يطلب صدقة، بل ينادي بحقه الأصيل في العيش بكرامة وأمان.
لكل من لا تزال في قلبه ذرة إنسانية، هذه هي اللحظة التي يُختبر فيها الصمت، ويُقاس فيها صدق المبادئ. أنقذوا السودان، أنقذوا الفاشر، أنقذوا ما تبقى من هذا الوطن الذي يكاد يختنق تحت ركام الإهمال.