منذ انطلاقتها في العام 2020 من قلب السودان، شكّلت منظمة مشاد تجربة رائدة في العمل الإنساني والتنموي، حيث استطاعت خلال فترة وجيزة أن تثبت وجودها في الميدان، بفضل سرعة الاستجابة، وقوة الأداء، والتزامها بالمعايير المهنية والإنسانية. لقد تميزت مشاد بأنها ليست مجرد منظمة، بل حركة وعي يقودها جيلٌ مؤمنٌ بالحرية، والديمقراطية، والمدنية، والعدالة، ودولة المؤسسات، وحقوق الإنسان. جيلٌ اختار أن يكون جزءاً من الحل لا من المشكلة، يعمل من أجل كرامة الإنسان السوداني، ويبني في كل ولاية لبنةً من الأمل في وجه اليأس والفوضى.
غير أن هذا التميز لم يمر مرور الكرام، فقد كان لظهور مشاد أثرٌ بالغٌ في إزاحة الأقنعة، وإنهاء نفوذ بعض الجهات التي طالما استفادت من غياب الرقابة وضعف الشفافية. لم يكن الأمر مجرد حفيظة، بل انكشاف كامل أزعج من اعتادوا استغلال العمل الإنساني لأجندات خاصة، فكان أن قسّم ظهور مشاد صفوفهم، وفضح نواياهم، وأفقدهم مواقع التأثير التي طالما تمسكوا بها دون وجه حق.
لم تكن تلك المحاولات سهلة أو عابرة، بل أخذت أشكالاً متعددة من حملات التشويه الإعلامي، إلى التهديدات المباشرة، بل وصلت حد استهداف رئيس المنظمة شخصياً عبر التحريض، والحرق، والتهديد بالقتل. لكن، كما يعرف أبناء هذا الوطن الصابر، فإن المواقف العظيمة لا تُبنى إلا عبر المواجهات الصعبة، ومشاد لم تتراجع. بل واجهت كل تلك الحملات بمزيد من الالتزام، والثبات، والعمل الميداني الشفاف.
ورغم كل ذلك، واصل خصوم العمل الإنساني محاولاتهم عبر تأسيس كيانات موازية تجاوز عددها خمسة عشر، على أمل أن يحظوا بنفوذ أو تمويل، لكنهم اصطدموا مرة أخرى بحقيقة أن النجاح لا يُصنع بالتزوير، بل بالصدق والعمل الجاد. كما سعوا لاختراق المنظمة من الداخل، واستغلال بعض ضعاف النفوس لنشر معلومات مغلوطة عبر منصات التواصل، وصلت إلى حد الإعلان الكاذب عن إعفاء القيادة واعتقالها.
بفضل وعي أبناء مشاد وتماسك الفريق القانوني والفني، تمت استعادة المنصات الإعلامية، وكُشف التضليل، وتحوّلت محاولات الهدم إلى فرصة جديدة لتعزيز الصمود، وكتابة صفحة ناصعة في سجل هذه المنظمة. إن الانتصار القانوني الأخير الذي حققته مشاد ليس مجرد مكسب قضائي، بل تأكيد على أن صوت الحق لا يُخمد، وأن السودان لا يزال يزخر بطاقات شابة ترفض الفساد والانتهازية.
مشاد اليوم أقوى من أي وقت مضى، تواصل عملها ليس فقط في تسع ولايات، بل في ربوع السودان، وفي عدد من دول الإقليم والعالم، حيث تقدم خدمات الرعاية الصحية، والإغاثية، والدعم النفسي، ورصد الانتهاكات، والدعم القانوني للضحايا والمدنيين، وتفتح أبوابها لكل أبناء الوطن المخلصين. نحن لا نرد على الأكاذيب بالحرب، بل بالعمل، ولا نواجه المؤامرات بالصراخ، بل بالصبر والإيمان والثقة في عدالة القضية.
ختاماً، نوجّه الشكر والتقدير لكل من آمن برسالتنا، ووقف معنا، وساهم في فضح الحملات الظالمة، ونقول لكل من تآمر علينا: “قد تخدعون الناس لبعض الوقت، لكنكم لن تهزموا الحق أبداً.”
والتحية لأبناء مشاد، جنود الميدان، وفرسان الحق، الذين يحولون الألم إلى أمل، والتهديد إلى إنجاز.
وندعو جميع المنظمات الوطنية والإقليمية والدولية، والجهات الإعلامية والمجتمعية، للوقوف مع صوت العدالة والحق، ومساندة الجهود الإنسانية الصادقة في السودان، فالعمل الإنساني لا يُدار بالشبهات، ولا تُكسر إرادته بالتضليل، بل يُبنى بالإرادة، ويُصان بالشفافية، ويُحترم حين يقوده الشرفاء.